كُرَةُ المحَبَّةِ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

انخرجَ الأخوان سليمٌ ومعنٌ من البيتِ ومعهما كرةُ قدمٍ جديدةٌ. وأخذ كلٌّ منهما طرفًا من الطريق. وقال سليمٌ لأخيه: أخشى أن يحضرَ أبوك وسيغضب، لأنه نصحنَا ألا نلعبَ في الطرقاتِ. وردَّ معنٌ: دعنا نلعبْ الآن، فأبوك ليس هنا ولن يرانا. وأنا مللتُ من الجلوسِ في البيتِ والقراءةِ. رضخَ سليمٌ لطلب أخيه معنٍ وأخذ مكانَه في الطرفِ الآخر من الطريقِ، وضربَ الكرةَ نحو أخيه معنٍ الذي ردَّ الضربةَ بمثلِها. ولكن فجأةً وبعد قليلٍ من اللعبِ انحرفت الكرةُ لتصيبَ نافذةَ البيتِ المجاورِ وتكسرَ زجاجَ النافذةِ، وفَرَّ الاثنان إلى بيتِهما. خرج صاحبُ الدارِ فلم يجدْ سوى قطعِ الزجاجِ والكرةِ. فحجزَ الكرةَ وفتَّشَ يمينًا ويسارًا فلم يجدْ أحدًا فعادَ بالكرةِ إلى بيتِه.
جرى عتابٌ بين الأخوين على ما حدث، وقال معنٌ: دعِ الْأُمورَ لبضعةِ أيامٍ حتى تنسى الحادثةَ. وبعد أيامٍ بسيطةٍ طرقَ الأخوان بابَ دارِ جارِهما. وحين فتح الجارُ البابَ رحَّبَ بهما دون علمِه بأنهما هما اللذان كسرا زجاجَ النافذةِ. وحاول الاثنان الكلامَ إلا أنهما تردَّدَا. وقال صاحبُ الدارِ ما بكُمَا؟ تحدثا. فقال معنٌ أرجو أولاً أن تعذرَنا بما فعلنا، فإنه لم يكن مقصودًا. فقال الرجل: خير إن شاء اللهُ.. ماذا فعلتُما؟ فقال معنٌ: نحن اللذان كسرا زجاجَ نافذتِك، ولم يكنْ ذلكَ مقصودًا، وإنما حصل بالمصادفة.ِ وقد حضرنا لنعتذرَ إليك على ما بدرَ منا، ونحن مستعدان لدفعِ ثمنِ الخسائرِ على فعلتِنا.
ضحك الرجلُ وقال: أتظنان أني سآخذُ منكما ثمنَ الزجاجِ؟ إن الأمرَ من الناحيةِ الماديةِ بسيطٌ، ولكنه من الناحيةِ الإنسانيةِ خطيرٌ. فإن الكرةَ ربما تصيبُ امرأةً عجوزًا، أو شيخًا كبيرًا فتهوي أو يهوي إلى الأرضِ فيصابُ أحدهما بكسرٍ في جانبِ جسمِه، ولكبرِ السنِّ لا يلتئم الكسرُ بسرعة. ومعنى هذا أن المصاب ربما يصبح عاجزًا بقية حياته ومقعدًا في بيته.
أطرق الاثنان برأسيهما خجلاً، وقال سليمٌ: إننا نكرر اعتذارنا عما بدر منا، ونرجو منك أن تسامحنا فيما اقترفنا، ونأملُ أن تتفضلَ بتقبُّلِ ثمنِ الزجاجِ. وأجابَ الرجلُ يا بُنَيَّ إني لستُ بحاجةٍ إلى ثمنِ الزجاجِ. فاللهُ أغناني بفضلِه وأريدُ منكما أن تصبرَا عليَّ قليلاً. ثم قام ودخل إلى غرفةِ في البيتِ، ثم خرج وبيده الكرةُ وبضعُ أوراقٍ، وقام بإعادةِ الكرةِ إلى الشابين. ثم قال: ربما لا تعرفان من أنا. وسكت الاثنان.. وتابع الرجل أنا مديرُ هذا النادي الذي يقع في آخر الشارع، وإليكما تذكرتا اشتراكٍ فيه، ويمكنكما أن تذهبا متى شئتما إلى النادي، وأن تتمرنا وتلعبا فيه، حيث يشرفُ هناك مدربون يعلمانكما الطرقَ الصحيحةَ في مزاولةِ الرياضةِ فلا تتأذيا ولا يتأذى غيركما. وبذلك تتخلصان من الإساءة إلى نفسيكما، وتستفيدان من مزاولةِ الرياضةِ. وإن لزمكما شيءٌ في التمارين الرياضيةِ فأنا بيتي إلى جوارِكما، وتستطيعان أن تسألاني متى شئتُما.
شكر سليمٌ جارَه لما فعلَ وسألَه: كم ثمنُ التذكرتين؟ فقال الرجلُ: إنهما هدية مني، وإني لآمل أن أراكما في المستقبل محترفين للرياضة، وأبطالاً مرموقين، ومدربين يشار إليهما بالبنانِ. ثم مدَّ يدَه بالكرةِ ودفعها إليهما وقال: هذي كرتُكما فخذاها، وإن أشكلَ عليكما في النادي شيء فيمكنكما العودةُ إليَّ وسأقومُ بمساعدتِكما.. وعاد سليمٌ ومعنٌ لشكرِ مديرِ النادي.
مضت خمسُ سنواتٍ وكان جارُ الشابين قد تقاعدَ عن عملِه وجلس في بيتِه وخطرَ له أن ينظرَ إلى أخبارِ الرياضةِ في التلفازِ. وسُرَّ سرورًا عظيمًا حين رأى الشابين عضوين في منتخبِ بلادِه إلى مباريات الأولمبيادِ العالميةِ الرياضيةِ. فقد أثَّرت نصيحتُه في هذين الشابين.. ونتج عن هذه النصيحةِ أبطالٌ يمثلون البلادَ، ويرفعون رأسَها عاليًا بين الأممِ. .